النيل و شجرة الدوم عند المصري القديم

من مقبرة ( ايري نفر ) بدير المدينة بالأقصر صور الفنان المصري القديم ( ایری نفر ) وهو ينحني ليشرب من ماء النيل مباشرة . هذا المشهد من أغرب وأجمل المشاهد في المقابر المصرية .

حيث كان النيل عند المصري القديم کيانا مقدسا وكان تلويث ماء النيل في الضمير المصري من الأعمال التي تخرج الانسان من الماعت( النظام الكوني ) . لذلك حافظ قدماء المصريين طوال اآلاف السنين على ماء النيل نظيفاً .. نقياً  .. طاهراً فليس من المستغرب أن نرى شخصاً ينحني ليشرب من ماء النيل مباشرة . لكن الغريب هو أن الفنان الذي رسم الجدارية اختار شجرة (الدوم ) تحديدا لتكون الموضع الذي يشرب منه ( ايري نفر ) قد تزول دهشتنا اذا عرفنا أن شجرة الدوم كانت شجرة مقدسة في مصر القديمة . هي الشجرة المفضلة لصنع التوابيت فهى مقدسة لارتباطها بالعالم الأخر . نحن اذن أمام مشهد يحمل معنی باطن بالاضافة إلى المعنى الظاهر . ففي الظاهر يبدو لنا المشهد هو مجرد تصویرصاحب المقبرة ( ايري نفر ) وهو يشرب من النيل مباشرة  . أما المعنى الباطن فهو يتعلق بالعالم الآخر ( الدوات ) وهو سعی الروح لاستعادة ذاكرتها الروحية فوجود شجرة الدوم التي تصنع منها التوابيت في الموضع الذي اختاره ( ايري نفر ) ليشرب منه تدل على أن ما يقوم به هدفه الاتصال بالعالم الاخر . فرحلة الانسان في الدوات ( العالم النجمى ) الهدف منها العودة الى الأصل الذي جئنا منه

هذا الأصل أو الرحم الذي خرجنا منه جميعا هو مياه الأزل ( نون ) ويشرب منها ليستعيد ذاكرته الروحية التي أضعفتها تجربته في العالم المادي . وبأستعادة الذاكرة الروحية كاملة يصبح الانسان مؤهلا الانتقال إلى عالم الروح ليحيا فيه حياة أبدية .