أفريقيا الشرقية تتسلح بالطائرات بدون طيار لمحاربة الجراد

الثلاثاء, يونيو 16, 2020 - 18
تقارير منوعة

بينما أنظار العالم شاخصة على فيروس كورونا المستجدّ، لا تزال أفريقيا الشرقية تكافح لمواجهة أزمة من نوع آخر اتخذت أبعادًا هائلة حيث تتكاثر أسراب الجراد المفترسة. 

وإنّ حجم الأزمتين كلتيهما مذهل بالفعل وكلا المسببين يتكاثران بسرعة هائلة إلى درجة أن الحكومات تجاهد في سبيل احتوائهما.

لكنّ زمن الأزمات هو أيضًا زمن الابتكار والتعاون. وتمامًا كما أنّ العلماء في مختلف أنحاء العالم يسابقون الوقت لإيجاد حلول لاحتواء كوفيد-19، كذلك تضافرت جهود الباحثين الدوليين مع منظمة الأغذية والزراعة (المنظمة) من أجل ابتكار أدوات جديدة لاستباق موجات الجراد المتنقلة.

وتكتسي هذه الأدوات مزيدًا من الأهمية في ظلّ العوائق الجديدة التي تنطوي عليها القيود المرتبطة بكوفيد-19 بالنسبة إلى فرق التدخل.

ويقول Keith Cressman، كبير المسوؤلين عن توقعات الجراد في المنظمة "إنّ أياً من البلدان المتضررة في أفريقيا الشرقية هي في العادة على خط المواجهة لغزوات الجراد لذا لم تكن لدى أي منها النظم والأدوات اللازمة". "إننا نسعى جاهدين الآن من أجل الإسراع في تطوير نسخ سهلة الاستعمال من هذه الأدوات لبلدان مثل كينيا وجنوب السودان والصومال بحيث يسهل على المسؤولين الميدانيين استخدامها سواء أجرى تدريبهم على مكافحة الجراد أم لا."

وتتراوح هذه التكنولوجيا بين أدوات جمع البيانات لرصد وجود الجراد وصولاً إلى نظم التقاط الصور بواسطة الأقمار الاصطناعية التي تساعد على توقع وُجهة الجراد المتلهّف للمحاصيل. وستصبح كينيا بعد فترة وجيزة أول بلد يتم فيه اختبار طائرات المنظمة من دون طيار لمراقبة الجراد.

ويقول Cressman "من وجهة نظر علمية، تشكل هذه الأزمات فرصة لاختبار أفكار وتكنولوجيات جديدة واستكشاف كيفية استخدامها لإدارة الآفات."

في الميدان

تتيح المنظمة للحكومات مباشرة مجموعة من الأدوات. ومن بين هذه الأدوات نظام eLocust3 التابع للمنظمة وهو تكنولوجيا للمراقبة الاعتيادية تستخدمها البلدان التي تشهد حالات غزو متكررة. وفي ظل تفاقم الأزمة الراهنة في أفريقيا الشرقية، سارعت جامعة "بين" الحكومية وهي شريك عريق للمنظمة في مجال البحوث الخاصة بالآفات، إلى تطوير نسخة للهاتف الجوال من هذه التكنولوجيا تحمل اسم eLocust3m وهي متاحة الآن على نطاق واسع في محال التطبيقات
(App stores). ويمكن استخدام هذه النسخة بواسطة معظم الهواتف الذكية وهي تتضمن إمكانية إجراء دردشات داخل البلد مما يزيد إلى حد كبير قدرات البلدان على تبادل التقارير ذات المراجع الجغرافية عن حركة الجراد وعمليات مكافحته في الوقت الحقيقي.

وستقوم المنظمة أيضًا بشحن المئات من أجهزة eLocust3g، وهي أجهزة جديدة لتحديد المواقع الجغرافية بحجم اليد يمكن ربطها بالاقمار الاصطناعية وتؤدي وظائف eLocust3 الأساسية، إلى بلدان أفريقيا وآسيا. وتمكّن النسختان المسؤولين الميدانيين من تسجيل الأماكن التي يجدون فيها الجراد ومرحلة تطوره والمناطق التي تمّت معالجتها.

وتصبّ هذه المعلومات من ثمّ في نظم المعلومات الجغرافية الوطنية في كل من البلدان المرتبطة بنظام عالمي للمعلومات الجغرافية موجود في المقر الرئيسي للمنظمة في روما ويتولى يوميًا توزيع معلومات محدثة لوزارات الزراعة والمراكز الوطنية لمكافحة الجراد وشركاء آخرين عبر المركز الإلكتروني للجراد. ومعنى هذا أنّ واضعي التوقعات وصانعي القرارات يحصلون يوميًا على معلومات ميدانية وهي معلومات تتسم بأهمية حاسمة أحيانًا لإدارة الآفات المهاجرة مثل الجراد والتي قد تنمو بمقدار 20 ضعف كل ثلاثة أشهر وتجتاز بسرعة البحار والقارات. 

في الجوّ

لكن ما العمل في المناطق التي يصعب الوصول إليها؟ ستوفر الطائرات من دون طيار قريبًا الحلّ. وستستخدمها المنظمة للمراقبة من الجو في كينيا من أجل التحقق من حالات التفشي والكشف في المناطق القاحلة الكبرى عن البقع الخضراء - وهي الأراضي الرئيسية التي يتغذى منها الجراد ولكن غالبًا ما يصعب العثور عليها والوصول إليها من الأرض.

وتعمل المنظمة حاليًا على إعداد نماذج لطائرات من دون طيار ذات أجنحة دوارة وثابتة لاستخدامها من أجل المراقبة. ولكل منها قوة مختلفة. 

فالطائرات من دون طيار ذات الأجنحة الدوارة تحوم في مكانها لوقت كافٍ لالتقاط صور مفصلة. وبإمكان المسؤولين الميدانيين الوقوف إلى جانبها وتحليل تركز الجراد في الوقت الحقيقي. وبفضل دقتها أيضًا، يمكنها أن تؤدي دورًا في حملات المعالجة. ويقول Cressman "إننا ننظر في كيفية تجهيزها برشاشات دقيقة وإيفادها في مهام محددة للغاية لمعالجة حالات تفشٍ صغيرة يصعب لولا ذلك معالجتها بالرشّ".

غير أنّ نطاق الطائرات من دون طيار ذات الأجنحة الدوارة محدود. أما تلك المجهزة بأجنحة ثابتة فقادرة على أن تحوم لمسافة تصل إلى 100 كيلومتر في كل رحلة، مما يجلها الجهاز المثالي للعثور على بقع النباتات الخضراء في صحارٍ شاسعة. ويضيف Cressman "لا زلنا في المرحلة التجريبية بالنسبة إلى الطائرات من دون طيار لكن من الواضح أنّ هذا النوع من الأدوات سيكتسي أهمية أكبر خلال السنوات المقبلة".

في الفضاء 

تحلّق الأقمار الاصطناعية على علو أكبر في السماء؛ لذا، لطالما زودت المنظمة بالبيانات للمساعدة على توقع حركة الجراد. 

وتعمل المنظمة مثلاً ضمن شراكة مع الإدارة البحرية والجوية الوطنية في الولايات المتحدة الأمريكية التي تعمل بالتعاون مع الأقمار الاصطناعية الخاصة بأحوال الطقس التابعة للإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء (النازا). وتستخدم الإدارة البحرية والجوية الوطنية أحدث بيانات المنظمة الواردة من أفريقيا الشرقية لإعداد نموذج لإسقاطات مسارات انتقال الجراد. ويمكّن هذا واضعي التوقعات من اكتساب فهم أفضل لمصادر الأسراب ووُجهتها خلال الأيام القليلة اللاحقة، وهي ليست بالمسافة القليلة نظرًا إلى قدرة الأسراب على اجتياز مسافة قد تصل إلى 150 كيلومترًا في اليوم.

كذلك، بفضل التعاون مع النازا ووكالة الفضاء الأوروبية، تساعد الصور الاصطناعية خبراء المنظمة على فهم موضع هطول الأمطار وموقع نمو النباتات والمناطق التي تكون فيها ظروف النمو مناسبة من أجل استباق التهديدات الناجمة عن هذه الآفة.

والنباتات تعني الغذاء والمأوى للجراد. لذا، يتم فحص كل بيكسل من الخارطة فحصًا دقيقًا لرصد أي تغيرات يومية ويمكن أن تؤدي أدق إشارة إلى بروز بقعة خضراء إلى إيفاد مسؤول ميداني لتعقّب الجراد.

والأهم من ذلك أنّ صور الأقمار الاصطناعية قادرة على خرق الطبقة السطحية للتربة الجافة بحثًا عن الرطوبة الكامنة تحتها وهي الظروف المثالية لوضع البيوض. وتعمل المنظمة مع النازا ومع وكالة الفضاء الأوروبية للاستفادة أيضًا من هذه البيانات.

ويقول Cressman" في ظل انتشار أنماط الطقس المتطرف في كل مكان، من المرجح حدوث حالات تفشي في أماكن غير معتادة، وبات من المهم أكثر من أي وقت مضى وجود النوع المناسب من الأدوات والمعلومات لدى الحكومات والفرق الميدانية لإدارة هذه الأزمات، حاضرًا ومستقبلاً ". 

وتسلط أزمة الجراد الصحراوي الحالية في أفريقيا الشرقية الضوء على عدد العناصر المعنية لضمان الأمن الغذائي وسبل العيش المستقرة. وبفضل التكنولوجيا الجديدة وتجديد الممارسات القديمة، تساعد المنظمة البلدان على الاستجابة على نحو أفضل لحالات الطوارئ كهذه بما يضمن في نهاية المطاف بقاءنا على المسار الصحيح لتحقيق عالم خال من الفقر  وعالم خال من الجوع