خاضت المرأة السودانيّة والمنظّمات الحقوقية معركة قبل أيام للحصول على مناصب في حكم الولايات تضاف إلى المكاسب التي حققتها بعد ثورة اندلعت في 19 ديسمبر 2018 في بعض المدن السودانيّة، والتي لعبت فيها دوراً محورياً ، حيث أعلن الناطق الرسمي باسم الحكومة ووزير الإعلام فيصل محمد صالح ، عن فشل المشاورات التي يجريها رئيس مجلس الوزراء عبد الله آدم حمدوك بشأن تعيين امرأة في منصب الوالي في أي من الولايات السودانية البالغ عددها 18 ولاية ، نتيجة رفض المكوّنات الاجتماعية في كل الولايات فكرة تعيين والية عليهم. وعدم ترشحها لأي حزب من الأحزاب الحاكمة ، ويعد هذا انتقاصا لحقها المشروع في المشاركة السياسية.
ويعد هذا توجها جديدا يتناقض مع توجه الحكومة الحالية بمنح النساء فرصاً أكبر. إذ حصلت امرأتان، للمرة الأولى، على مقعدين في مجلس السيادة الانتقالي، كما عُيّنت وزيرة للخارجية (أسماء محمد عبد الله) وقاضي قضاة السودان (نعمات عبد الله محمد خير) ومديرة جامعة الخرطوم (فدوى عبد الرحمن)، وحصلت على أربعة مقاعد في التشكيلة الوزارية بنسبة تقترب من 25 في المائة من مجموع الوزراء.
المعارك النسائية السودانية كما يراها بعض المختصين :
- فقد حققت انجازات تشريعية منها : إلغاء قانون النظام العام والآداب العامة الذي كان يسمح بملاحقة الفتيات بسبب لباسهن.
- إلغاء مادة في قانون الجوازات والهجرة والجنسية التي تشترط موافقة الزوج على اصطحاب الزوجة لأطفالها خارج السودان.
- كما ألغيت مادة في قانون الأحوال الشخصية تجرم ختان الإناث كلياً.
- تحديد سن المسؤولية القانونية بـ 18 عاماً عوضاً عن الاعتماد على علامات البلوغ.
فترى الباحثة الاجتماعية ثريا إبراهيم ، أن حرمان المرأة السودانية من تولي منصب الوالي بداية ، ومنحها مقعدين فقط بعد حملة ضغط، يمثل تراجعاً كبيراً بالمقارنة مع التطور والإنجازات التي حققتها المرأة ، مشيرة إلى أن رفض المجتمعات فكرة وجود والية يعود للانتقاص من المرأة استناداً إلى مقولة قديمة : "المرأة لو فاس لن تكسر الراس"، مشيرة إلى أنها نظرة خاطئة، بعدما أثبتت المرأة جدارتها في الوظائف التي تبوأتها منذ القدم كطبيبة ومعلمة ومديرة شركة ووزيرة ورئيسة قضاء وغيرها.
كما أوضحت أن وظيفة الوالي إدارية وهي فرصة لإثبات المرأة جدارتها في حال حازت ثقة الدولة والمجتمع ، مشددة على "ضرورة تصحيح تلك المفاهيم وعدم التعالي على المجتمع والاعتماد على التاريخ السوداني نفسه في الإقناع. تاريخياً، حكمت المرأة السودانية الكثير من الممالك ، وقادت حركات النضال ضد الغزاة والمستعمرين، وتقدمت على الكثير من قريناتها في المجتمعات العربية والأفريقية".
واشارت إلى أن "كانت فاطمة أحمد إبراهيم أول برلمانية في المنطقة تُنتخب انتخاباً مباشراً، كما حصلت المرأة على حق التصويت والترشح في ستينيات القرن الماضي، قبل دول عدة. قبل كثير من الدول التي نراها متقدمة".
- وتستنكر تهاني عباس القيادية في منظمة "لا لقهر النساء" تهاني عباس، التبريرات الحكومية الخاصة برفض المكونات الاجتماعية في الولايات لوجود والية ، قائلة أن الحكومة أطلقت تلك المبررات من دون الاستناد إلى أي دراسة اجتماعية أو استطلاع الرأي العام ، ما يشير إلى نظرة الحكومة للمرأة وأهمية مشاركتها في مؤسسات السلطة الانتقالية واعتماد الترهيب بما يتناقض مع الالتزام بالتغيير الذي يجب أن يُفرض وليس مسايرة التابوهات القديمة.
- كما إنها تشير إلى أن الجمعيات المدافعة عن حقوق المرأة أطلقت حملتها ضد التوجهات الحكومية والأحزاب الحاكمة ، معتمدة على الوثيقة الدستورية التي تعطي المرأة نسبة لا تقل عن 40 في المائة في كل مؤسسة حكومية والمناصب العامة ، مشيرة إلى أنها شاركت في ثلاثة اجتماعات مع حمدوك، وأعلن فيها التزامه وتعهداته بالمحافظة على تلك النسبة ، خصوصاً في الحكم المحلي والولايات "لكن يبدو أن هناك تنكراً مستمراً لتلك التعهدات".
- كما توضح أن المنظمات النسوية التي تمثل كل القطاعات، بما في ذلك نساء الأرياف والمناطق المهمشة، سلمت حمدوك شخصياً ترشيحهن مباشرة لمنصب الوالي، وقد توقعن تعيينهن أو رد الترشيح لعدم الكفاءة. ويمكن للمنظمات تقديم مرشحات جدد، مؤكدة أن خيبة الأمل الكبرى بالنسبة لهن حدثت بعد اكتشافهن أن قوى إعلان الحرية والتغيير (مكوّنات سياسيّة سودانية تتشكّل من تجمّع المهنيين، الجبهة الثورية وتحالف قوى الإجماع الوطني وكذا التجمع الاتحادي المُعارِض) لم تقدم مرشحة لمنصب الوالي، "وهذا يوضح استمرار العقليات القديمة في إدارة البلاد".
- وأشارت عباس إلى أن الحملة الحالية نجحت في إجراء تعديلات في قوائم ترشيحات الولاة وبروز أسماء نسائية في التعيينات ، لكن لن تكتمل سعادتهن لأنهن يردن تحصيل حقوقهن من دون تذكير الجهات المسؤولة بها في كل مرة.
- وحظيت الحملات النسوية بدعم كثير من الأحزاب ، على غرار الحزب الاتحادي الموحد الذي دعا في بيان إلى ضرورة الالتزام التام بتعظيم دور النساء وتقلدّهن للمناصب القيادية في الدولة، وتخصيص نسبة لهن من مناصب الولاة.
- ويشير الحزب إلى أنه فوجئ باستبعاد اختيار العنصر النسائي لبعض مناصب الولاة، وهو أمرٌ غريب بالنسبة للثورة المجيدة وقياداتها، مطالباً بحصول المرأة على نصف المقاعد في كل أجهزة السلطة الانتقالية. إلّا أنّ القيادية في "قوى إعلان الحرية والتغيير" تيسير النوراني، والتي رُشّحت في مرحلة من المراحل لمنصب والي الخرطوم، قالت إن الحملات جاءت متأخرة جداً ولم تحدّد مطالب أو آليات واضحة. كما أن الجمعيات النسويّة لم تتوحّد وتم تهميش الأحزاب السياسية للنساء.
- وتشير النوراني أن المطلوب هو وجود أجندة مشتركة بين النساء، والاستفادة من وجود تحالف نسوي داخل الأحزاب، مشيرة إلى أن استبعادها من قوائم الترشيح جاء نتيجة اتفاقية سياسية بين الأحزاب استناداً إلى معادلات محددة لم يكن للجندرة فيها أي دور.
- كما أشارت إلى أن مقترحاً طرح في الفترة السابقة لمنح النساء 50 في المائة من الولاة أو نائب الولاة ، من دون أن تجد الدعم الكافي من النساء.
- في الوقت نفسه ، حملت التحالف الحاكم المسؤولية لعدم اختيار امرأة ضمن قوائم الترشيحات.
وقد أعلن رئيس الوزراء السوداني ، مساء الأربعاء الماضي ، أسماء ولاة الولايات ومن بين 18 ورد إسم كل من آمنة محمد المكي كوالية على نهر النيل ، وآمال محمد عز الدين كوالية على الولاية الشمالية ، ما عُد تطوراً نوعياً حتى وإن لم يكتمل بحصول النساء على 40 في المائة من المناصب كما تقول بذلك الوثيقة الدستورية ، في تصريحاتهم لوكالة أخبار المرأة.
وستظل تلك المعارك قائمة حتى تستطيع المرأة السودانية الاعتراف بحقوقها بل وتفعيلها.....
إضافة تعليق جديد